المغرب و"البوليساريو".. صراع في "ملعب الرياضة" يمنح نقاطا جديدة للمملكة

 المغرب و"البوليساريو".. صراع في "ملعب الرياضة" يمنح نقاطا جديدة للمملكة
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 16 يناير 2020 - 10:30

عاد المغرب وجبهة البوليساريو للاعتماد على "سلاح" الرياضية لجني النقاط في ملف الصحراء، وهو الأمر الذي أخذ منحى تصاعديا مؤخرا لم يعد يقتصر فقط على طرفي النزاع، وإنما أجبر الأمم المتحدة أيضا على التدخل، بل امتد ليشمل دولا أخرى مثل جنوب إفريقيا التي أعلنت غيابها عن كأس أمم إفريقيا داخل القاعة التي ستحتضنها مدينة العيون.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتواجه فيها الطرفان في ميدان الصراع الرياضي ذي الأبعاد الجيوسياسية، فالمغرب استطاع مرارا تأكيد سلطته على جغرافيا الصحراء من خلال تنظيم عدة تظاهرات وطنية ودولية، فيما حاولت البوليساريو منع بعضها ولو اضطرت إلى استخدام القوة، غير أن الأمر هذه المرة يتعلق بجني الكثير من النقاط، خاصة من خلال اجتماع المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف".

الرالي الذي حرك الأمم المتحدة

وعادت محاولات "البوليساريو" لبسط "نفوذها" السياسي والعسكري في مناطق من الصحراء عن طريق عرقلة الأنشطة الرياضية، خلال الدورة الـ12 لرالي إفريقيا البيئي "أفريكا إيكو رايس" الذي اتجه من موناكو نحو داكار مرورا بالمغرب، فمنذ وصول قافلة المشاركين للأقاليم الجنوبية بدأت تهديدات أنصار الجبهة الذين اعتبروا أن هذه الخطوة مثلت "انتهاكا للقرارات الدولية المتعلقة بالصحراء".

ونجح المغرب في ضمان مرور سلس للمتسابقين من محاميد الغزلان وآسا الزاك والسمارة ثم الداخلة، لكن مع اتجاههم نحو معبر الكركارات الحدودي مع موريتانيا حاول الانفصاليون منع المشاركين بالقوة من متابعة مسارهم، حاصلين على دعم صريح من قيادة "البوليساريو" التي وصفت الأمر بأنه "ممارسة لحق طبيعي في الاعتراض على الانتهاكات المغربية".

ورغم ذلك استطاع المغرب جني العديد من النقاط من خلال هذه التظاهرة، ليس فقط بعدما استطاع ضمان مرور المشاركين في أمان تحت حماية سلطاته، ولكن أيضا بعد خروج الأمين العام اللأمم المتحدية، أنطونيو غوتييريش إلى "السماح بمرور حركة مدنية وتجارية منتظمة بالمنطقة، والامتناع عن أي إجراء قد يشكل تغييرا في الوضع القائم في المنطقة العازلة بالكركرات"، داعيا "جميع الجهات الفاعلة إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ونزع فتيل أي توتر".

الكاف في العيون

لكن مفاجأة رياضية أخرى أكبر هذه المرة كان على جبهة البوليساريو مواجهتها بعد خسارتها رهان منع الرالي، ويتعلق الأمر بتحول مدينة العيون إلى "عاصمة" للاتحاد الإفريقي لكرة القدم بمناسبة احتضانها لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة واجتماع المكتب التنفيذي للكاف، وهما التظاهرتان اللتان سينظمهما المغرب خلال الفترة ما بين 28 يناير و7 فبراير 2020.

وبقدر ما تسبب هذا الإعلان في إغضاب البوليساريو، بقدر ما تسبب في حرج كبير للدول الإفريقية التي تساندها وخاصة جنوب إفريقيا والجزائر، وإن كانت الأولى قد أعلنت انسحابها من كأس أمم إفريقيا داخل القاعة رغم تأهلها لها والتعرف على خصومها في الدور الأول، مُفضلة التضحية بإمكانية المشاركة في كأس العالم التي تحتضنها ليتوانيا هذا العام كون أن البطولة الإفريقية مؤهِّلة للمونديال، فإن الأمر أعقد من ذلك حين يتعلق باجتماع المكتب التنفيذي للكاف.

وبرر الاتحاد الجنوب الإفريقي رسميا غيابه عن البطولة بـ"إصرار المغرب على تنظيم المنافسات في مدينة العيون المنتمية للصحراء الغربية"، لكنه والجزائر لم يعلنا إلى حدود اللحظة غيابهما "المتوقع" عن اجتماع الكاف، الذي سيعرف تدارس نقاط شديدة الأهمية مثل استعدادات الكاميرون لتنظيم كأس إفريقيا 2021 وإمكانية توقيف بطولة إفريقيا للاعبين المحلية، بالإضافة إلى تحديد الملعب الذي سيحتضن نهائي دوري أبطال إفريقيا هذا العام.

نصيب الصحراء من الرياضة

ويرى منصف اليازغي، الباحث المتخصص في السياسة الرياضية، أن تداخل الرياضة بالسياسة بشكل عام يبقى أمرا مطروحا عبر العالم، إذ رغم أن الاتحادات الدولية واللجن الأولمبية ترفع شعار فصل ما هو رياضي عن ما هو سياسي، فإن هذه المؤسسات وكذا الدول التي تنتمي لها هي أول من يقوم بعكس ذلك، لأن الجميع يريد توظيف أي شيء لتحقيق المصلحة السياسية".

أما بخصوص ارتباط الأمر بقضية الصحراء، فأورد اليازغي أن هذا الأمر ليس جديدا، ففي 2002 هددت البوليساريو باستهداف المشاركين في رالي "باريس داكار" عند مرورهم بالصحراء المغربية، كما أن الفرق الجزائرية انسحبت مرتين من بطولة إفريقيا لكرة اليد بسبب مشاركة وداد السمارة أو استضافتها بالأقاليم الجنوبية.

ووفق اليازغي فإن هذا الأمر إيجابي بالنسبة لمواقف المغرب، فانسحاب جنوب إفريقيا من "كان الفوتسال" مثلا يعني أن المغرب "انتقل من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، إذ لم يعد هو الذي يغيب عن التظاهرات بسبب مشاركة خصوم وحدته الترابية، بل أصبح هؤلاء هم من عليهم الانساب إن شاؤوا وتحمل مسؤوليتهم في ذلك".

وتابع المتحدث ذاته قائلا إن المغرب اختار هذا المنحى منذ مدة،  فقبل احتضان اجتماع الكاف وكأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة، اعتادت العيون على تنظيم مباراة استعراضية دولية بحضور أبرز نجوم العالم بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، وفي 2016 احتضنت المدينة نهائي كأس العرش"، معتبرا أن هذا الأمر "خلق نوعا من التوزيع الجغرافي العادل بين الشمال المفعم بالأنشطة الرياضية الكثيرة، وبين الجنوب الذي أصبح يحتضن أنشطة دولية كبيرة من طراز التظاهرات الإفريقية الرسمية".

دبلوماسية بثوب رياضي

ومن ناحية أخرى، أورد اليازغي أن تنظيم مثل هذه التظاهرات الرياضية المنظمة بالصحراء تدل على أن "الدينامية الدبلوماسية الملحوظة مؤخرا للمغرب، والتي أثمرت افتتاح قنصليات لدول إفريقية في الأقاليم الجنوبية، ترافقها أيضا دبلوماسية موازية متمثلة في الرياضة".

ويوضح المتخصص في السياسة الرياضية أن "المغرب حين اختار أن يمثله أشخاص مثل فوزي لقجع داخل مؤسسة رياضية كبيرة تتمثل في الكاف، ضمنَ بذلك الدفاع عن مصالحه، وأيضا فرضَ وجوده على الأراضي المغربية الصحراوية"، لافتا إلى أنه حين احتضن الألعاب الإفريقية شهر غشت الماضي "حقق مكسبا كبيرا حين حرم البوليساريو من المشاركة، كون أن الألعاب تنظم تحت مظلة منظمة الاتحاد الإفريقي".

اليازغي الذي توقع عدم حضور الجزائر لاجتماع المكتب التفيذي للكاف "كونها دائما تخلط السياسة بالرياضة حين يتعلق الأمر بملف الصحراء"، خلص إلى أن المغرب بات يوجد الآن "في موقف قوة، وما يقوم به رياضيا مهم جدا بالموازاة مع تحرك الملك في العمق الإفريقي، والتحركات التي تشهدها أيضا المجالات الاقتصادية والثقافية والدينية".

كوكب الجزائر

كثيرة هي الأمور التي يمكن استنتاجها من "معركة القميص" بين المغرب والجزائر، والتي هي في الحقيقة صدام بين فريق لكرة القدم يمثل مدينة مغربية صغيرة غير بعيدة عن الحدود الجزائرية، ...